قد لا تصدقين أن العلاقة بين التعاطف والقلق وطيدة. قبل أن نوضح لكِ كيف ذلك، دعينا نسألك أولًا: هل تشعرين أحيانًا أنكِ تتحمّلين مشاعر الآخرين وكأنها مشاعركِ أنتِ؟ هل تتألمين عند رؤية من تحبين في ضيق، حتى وإن لم يكن بيدكِ شيء لتغييره؟
إن كنتِ كذلك، فأنتِ لستِ وحدكِ.
في هذا المقال، توضح لكِ “سوبر إيف”، العلاقة بين التعاطف والقلق، وكيف يمكن للمشاعر الجميلة التي تميزنا كبشر، مثل التعاطف، أن تصبح عبئًا نفسيًا إذا لم نتعامل معها بوعي وحدود صحية.
السطور القادمة تكشف لكِ كيف يؤثر التعاطف الزائد على صحتنا النفسية؟ ولماذا يشعر المتعاطفون بالتوتر أكثر من غيرهم؟ وما الذي يمكن فعله للحفاظ على القلب الحساس دون أن يفقد توازنه.
ما العلاقة بين التعاطف والقلق العام؟
وجدت الأبحاث علاقة قوية بين التعاطف المرتفع والقلق. لكن من خلال وضع حدود صحية وتعلّم الاهتمام بالذات، يمكن للأشخاص الحساسين عاطفيًا أن يعتنوا بالآخرين دون أن يتفاقم شعورهم بالقلق.
التعاطف هو تلك القدرة العميقة على فهم مشاعر الآخرين، ورؤية الموقف من منظورهم. هذا الإحساس الإنساني النبيل يعزّز من قدرتكِ على العطاء والاهتمام بمن حولك.
الجميع يملكون هذه القدرة بشكل طبيعي، لكنها لا تعتبر صفة ثابتة بقدر ما هي مهارة تنمو وتتطور. وتتشكل عبر التجارب والعلاقات، بدءًا من الطفولة وحتى الرشد. وقد تلعب الجينات دورًا بسيطًا أيضًا في بناء هذه المهارة.
لهذا، تختلف مستويات التعاطف بين الأشخاص عند الكِبر.
لكن هناك نوع معين من الأشخاص يطلق عليهم “المتعاطفون للغاية” أو Empaths . هؤلاء لا يكتفون بفهم مشاعر الآخرين، بل يعيشونها كما لو كانت مشاعرهم الشخصية.
فإذا كنتِ من هؤلاء، قد تجدين نفسكِ تمتصين مشاعر من حولك دون قصد: تفرحين بفرحهم، وتحزنين بألمهم، وتحملين ثقل مشاعر لا تخصكِ بالكامل.
ولا يعد غريبًا أن هذا النوع من التعاطف الشديد يمكن أن يرتبط بالقلق. فكلما زاد شعوركِ بمن حولكِ، زادت احتمالية أن يتأثر توازنكِ الداخلي.
هل القلق العام يزداد لدى المتعاطفين؟
إذا كنتِ تعيشين مع قلق عام، فربما تمضين وقتًا طويلًا في التفكير بالمستقبل، أو تدورين في حلقة من الأفكار السلبية والمتكررة.
قد تشعرين بالذنب تجاه قرار اتخذتيه أثّر على صديقة، أو تستغرقين في مخاوف أكبر وأشمل.
ربما تقولين لنفسكِ:
“ماذا لو كنتُ مكانها؟ كيف سأشعر؟”
هذا التفكير يدفعكِ للتعاطف والرغبة في المساعدة. لكنه، عند الأشخاص ذوي التعاطف العالي، قد يفاقم القلق بدلاً من تهدئته، خاصة إذا لم تتمكني من الفصل بين مشاعركِ ومشاعر الآخرين.
قد تتركّزين في معاناة من حولكِ لدرجة تشعرك بالعجز، وكأنكِ لا تستطيعين “إيقاف” هذا التدفق العاطفي، أو الانفصال عن القلق المرتبط به.
دراسة: كيف يؤثر التعاطف على القلق؟
في دراسة أجريت عام 2018 على مراهقين داخل مصحّة نفسية خاصة على مدار 6 سنوات، طلب من المشاركين الإجابة على ثلاثة اختبارات تقيس: التعاطف، القلق، والاكتئاب.
النتيجة كانت واضحة: كلما زاد التعاطف العاطفي (أي الشعور بما يشعر به الآخرون)، زاد القلق.
لكن لماذا؟
لأن مشاركة المشاعر، خاصة المؤلمة منها، تحفّز التوتر الداخلي.
وإذا شعرتِ بأنكِ غير قادرة على مساعدة من تحبين، قد يتسلل إليكِ شعور بالذنب، وكأنكِ تحملين عبء مشاعرهم وحدكِ.
هذا الذنب قد يغذّي مخاوفكِ:
“هل يظنون أني قصّرت؟ هل سيبتعدون عني؟”
ومع الوقت، قد تبدأين بالانسحاب، أو توتر العلاقة، ويزداد قلقكِ بشأن صحتها، فتسقط دومينو المشاعر واحدة تلو الأخرى.
التعاطف والقلق الاجتماعي
الدراسة نفسها كشفت أن الأشخاص الذين يعانون من قلق اجتماعي غالبًا ما يملكون مستوى منخفضًا من التعاطف المعرفي (القدرة على فهم مشاعر الآخرين)، ما يجعل التفاعلات الاجتماعية أكثر صعوبة.
في المقابل، الأشخاص الذين يملكون تعاطفًا عاطفيًا عاليًا لكن تعاطفًا معرفيًا منخفضًا، يعانون من قلق اجتماعي أشد. أي أنهم يشعرون بمشاعر الآخرين بعمق، لكنهم لا يفهمون دائمًا سبب تلك المشاعر.
دراسة أجريت عام 2011 دعّمت هذه الفكرة، حيث أظهرت أن الأشخاص ذوي القلق الاجتماعي العالي يميلون لامتلاك تعاطف معرفي أقل دقة، مما يزيد من صعوبة التواصل وفهم الآخرين.
وعندما تكونين حساسة عاطفيًا لكن غير قادرة على تفسير ما تشعرين به، تصبح المواقف الاجتماعية مرهقة أكثر، خاصة عندما تحمل تلك المواقف طابعًا سلبيًا.
ضعف القدرة على فهم مشاعر الآخرين بدقة يجعل من الصعب التنقل في العلاقات الاجتماعية. وهنا يصبح القلق مرافقًا لأي تفاعل جديد، ما يدفعكِ إلى الاكتفاء بدائرة صغيرة من الأشخاص المعروفين.
3 خطوات للتعامل مع القلق النتاتج عن التعاطف
الآن بعد أن فهمتِ الرابط بين التعاطف والقلق، يمكنك البدء بخطوات عملية لحماية توازنكِ النفسي:
1. مارسي القبول الواعي:
إذا كنتِ تجدين صعوبة في إيقاف تدفّق مشاعركِ، خاصة حين تتأثرين بمن حولكِ، جرّبي هذا التمرين:
- خذي عدة أنفاس عميقة.
- لاحظي مشاعرك، ولا تحكمي عليها.
- ذكّري نفسكِ أن حمل ألم الآخرين لن يساعدهم.
- خذي أنفاسًا أعمق، وتخيّلي أنكِ تُخرجين الألم مع الزفير.
التعاطف لا يعني المعاناة. بالتنفس الواعي، تتحولين من “مجرد الإحساس” إلى “الاستجابة الفعّالة”، من خلال دعم الآخرين بطريقة متزنة.
وإذا وجدتِ صعوبة في التحرر من هذه المشاعر، جرّبي التأمل.
2. احترمي حدودك النفسية:
من الطبيعي أن تتجنّبي المواقف التي تستنزف طاقتكِ العاطفية. ضعي حدودًا واضحة، مثل، تأجيل لقاء مع صديقة مرهقة نفسيًا عندما تكونين غير مستعدة، أو الابتعاد عن الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي في الأيام التي تشعرين فيها بالقلق.
الاعتناء بالنفس ليس رفاهية، بل ضرورة. خذي وقتكِ للراحة، وتأكدي من تلبية احتياجاتكِ الأساسية: النوم، الهدوء، والعزلة الصحية.
3. راقبي التفكير المتكرر:
القلق أحيانًا يدفعكِ إلى إعادة التفكير في نفس المخاوف مرارًا. هذا ما يعرف بـ”الاجترار الفكري”، وهو غير مفيد بالمرة.
التفكير الزائد في مشاعر الآخرين قد لا يحل المشكلة، بل قد يزيدها تعقيدًا. لكن إذا علّمتِ نفسكِ أن تشعري ثم تُفرجي، بدلًا من الشعور ثم البقاء فيه، سيساعدكِ ذلك على التحرر من القلق المتراكم.
أنت أيضًا في حاجة إلى أخذ مساحة من الاسترخاء، لذا اقرأي أيضًا:
6 خطوات أساسية للعناية بنفسك وتدليلها
متى تحتاجين لطلب المساعدة؟
أحيانًا نستطيع تخفيف أثر التعاطف العالي بأنفسنا، لكن عندما يبدأ في التأثير سلبًا على يومكِ، أو يشعركِ بالقلق والضيق المستمر، فقد يكون الوقت قد حان للتحدث مع مختص.
المعالج النفسي يمكنه مساعدتكِ في:
- فهم العلاقة بين تعاطفكِ وقلقكِ.
- رسم حدود صحية تحميكِ.
- بناء أدوات للتعامل مثل التأمل، أو أنشطة العناية الذاتية.
- تطوير مهارات التعاطف الصحي: كالإصغاء الواعي، والوجود اللحظي.
الأسئلة الشائعة حول العلاقة بين التعاطف والقلق
1. هل هناك علاقة بين التعاطف والقلق؟
نعم، أظهرت الدراسات وجود علاقة وثيقة بين التعاطف العالي والقلق، خاصة لدى الأشخاص الذين يشعرون بمشاعر الآخرين بعمق، مما قد يؤدي إلى شعورهم بالتعب النفسي والتوتر المستمر.
2. لماذا يشعر الأشخاص المتعاطفون بالقلق أكثر من غيرهم؟
لأنهم يميلون إلى امتصاص مشاعر الآخرين وتحمل أعباء نفسية لا تخصهم بالكامل، ما يجعلهم عرضة للقلق، خصوصًا إذا لم يضعوا حدودًا واضحة تحمي طاقتهم العاطفية.
3. هل التعاطف المفرط يؤثر على الصحة النفسية؟
التعاطف المفرط دون توازن قد يؤدي إلى الإرهاق العاطفي، والشعور بالذنب، وحتى الانسحاب الاجتماعي، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية ويزيد من احتمالية الإصابة بالقلق أو الاكتئاب.
4. كيف يمكن للمتعاطفين التعامل مع القلق؟
من خلال الوعي بالمشاعر، وممارسة التأمل، ووضع حدود صحية، واللجوء للعناية الذاتية، بالإضافة إلى طلب الدعم النفسي عند الحاجة، يمكنهم حماية أنفسهم والتعامل مع القلق بطريقة صحية.
5. ما الفرق بين التعاطف العاطفي والمعرفي؟
التعاطف العاطفي هو الشعور بما يشعر به الآخر، أما التعاطف المعرفي فهو فهم سبب مشاعر الآخر. وعند ضعف الجانب المعرفي، قد يصبح من الصعب تفسير المشاعر، مما يزيد من القلق خاصة في المواقف الاجتماعية.
الخلاصة: تعلمي التعاطف بطريقة صحية
لم يتوصّل الخبراء بعد إلى نتيجة نهائية حول كيف يسبب التعاطف القلق، أو العكس. لكن الأبحاث تشير بوضوح إلى وجود علاقة ما بينهما.
وهذا لا يعني أن التعاطف شيء سيئ أبدًا. بل هو نعمة إذا تعلمنا كيف نديره بحكمة.
كل ما في الأمر، هو أن التعاطف يحتاج إلى توازن. وفهم هذا التوازن هو الخطوة الأولى نحو صحة نفسية سليمة، وقدرة أكبر على العطاء من دون أن تَفرغي من الداخل.
لستِ مضطرة لاختيار نفسكِ أو الآخرين. يمكنكِ أن تكوني متعاطفة ومتصالحة في الوقت نفسه .